the king عضو فعال
المساهمات : 282 تاريخ التسجيل : 19/09/2009
| موضوع: الهاربون من الله الثلاثاء سبتمبر 22, 2009 1:54 pm | |
|
بقلم : قداسة البابا شنودة الثالث
عشرات ومئات الملايين يؤمنون بالله, ويصلون ويصومون, ولكن كثيرين من هؤلاء المؤمنين يهربون من الله! أي يهربون من الحياة معه, ومن محبته, ومن الحياة الروحية التي يدعوهم اليها, أو من بعض المهام التي يدعوهم اليها.. فلماذا يهرب كل هؤلاء وكيف يهربون وهل يستمرون في هروبهم أم يرجعون
هناك أشخاص يهربون من الله بسبب شهواتهم, يشعرون ان حياتهم مع الله ستحرمهم من شهوات لايريدون تركها, مثال ذلك الوجوديون الملحدون, الذين يرون أن وصايا الله تمنعهم من تحقيق شهواتهم وتحقيق وجودهم فيها. فيكون شعور الواحد منهم هو من الخير أن الله لايوجد, لكي أوجد أنا!!.
أو مثل شخص يقول: ان سرت مع الله فسأنقسم علي ذاتي, وسأدخل في صراع بين الروح والجسد, وصراع بين الخير والشر, وأنا لا أريد ان أدخل في صراعات! فمن الخير لي إذن أن أبعد عن طريق الله
هذا وعن وصاياه!. هؤلاء شهواتهم تتعبهم وليس وصايا الله, ولكنهم لايريدون ان يواجهوا هذا الواقع لأنهم يخافونه, هم مثل انسان مريض بمرض خطير, يهرب من الأطباء, ومن الكشف والأشعة والتحاليل, لكي يستريح ولو راحة وهمية, هاربا من الواقع لأن الواقع يتعبه.
وهناك أشخاص يرون أن البعيدين عن الله مستريحون, ويستطيعون أن يقضوا مصالحهم بأنواع وطرق شتي, بكذبة بسيطة تتغطي كل غلطة, بشهادة مرضية مزورة يبررون كل غياب, بالرشوة والمحسوبية يقضي كل عمل, بالتساهل في الأخلاقيات يمكن كسب عديد من الأصدقاء, بعبارتين من عبارات التملق يمكن كسب الرؤساء وخداعهم, وبشيء من الرياء الخفيف يمكن الحصول علي احترام الناس ومديحهم, وبضربة قاسية ومؤامرة خفية يمكن التخلص من جميع المقاومين.. أما طريق الرب فهو صعب وكله قيود وموانع! فلماذا السير فيه
لذلك يري هؤلاء ان الهروب من الله أفضل! أو أن البعض يري أن طريق الله لايناسب العصر! لا يناسب ما وصلت إليه المدنية والأفكار الحديثة وطبيعة المجتمع, ويقولون ان الذين يسيرون مع الله هم( دقة قديمة) لم يتحضروا بعد, فالبعد عنهم وعن طريق الله أفضل لكي يحتفظ الانسان بسمعته كشخص راق متمدن.. كما يرون أيضا أن المجتمع الحديث يسخر من هؤلاء المتحفظين, وهكذا يهرب هؤلاء من الله.
البعض يهرب من الله بسبب مسميات روحية تتعبه, فالحياة الروحية فيها محاسبة النفس, وفيها حياة التوبة, وفيها النمو الروحي, وكل هذه أمور متعبة في نظر هؤلاء, يقول الشخص منهم, ما معني ان أجلس وأحاسب نفسي وأكتشف أن لي ضعفات وسقطات وأدخل في مذلة الندم والشعور بالاثم, وأيضا في تعب الضمير وتبكيته! مالي وكل هذا.
الهروب منه أفضل لكي أعيش مستريحا, مثل هذا, هو كشخص عنده دمل أو خراج, لايريد ان يفتحه وينظف ما فيه, بل يظن انه يتركه هكذا ويستريح!... كما ان التوبة بالنسبة اليهم هي ترك حياة جميلة في أعينهم فما الداعي للسير في التوبة وخسارة حياة المتعة الخاطئة.
فالهروب من كل ذلك أفضل, وبالتالي الهروب من الله الذي يدعو الي التوبة وتغيير الحياة, أمثال هؤلاء يعيشون في حالة تخدير دائم من الناحية الروحية, أو في حالة لاوعي بالنسبة الي ضمائرهم, وهم يهربون من واقعهم ويهربون من الله.
وهناك من يهرب من الله, لأن لديه شيئا يحرص عليه, ويخاف عليه من الله, هناك من يحرص علي ما لديه من مال, أو مظاهر من العظمة, أو قسوة تخضع الناس له, أو إدارة أعمال للهو, أو شهرة في الملاهي, أو أساليب خاطئة توصله إلي ما يريد.. فإن سار في طريق الله يحرمه من كل ذلك, فالوضع الأمثل ان يهرب من الله, والبعض يهرب من الله بسبب اليأس, إذ يري ان السير في طريق الله طويل لا يعرف مداه, فالله لا يريدنا فقط في حياة التوبة, إنما يطالبنا بالنمو الروحي حتي نصل الي حياة القداسة أو الكمال الممكن, فمن يستطيع كل هذا! ومن يستطيع في كل فضيلة ان يتطور فيها حتي يصل الي قمتها إذن الهروب من الله أفضل.
وهناك أسباب أخري كثيرة للهروب من الله, علي أن الذين يهربون منه يهربون أيضا من كل ما يتعلق بالله, يهربون من دور العبادة, ومن قراءة كلام الله ووصاياه, ومن التأمل في حياة الفضيلة, ومن الاجتماعات الروحية, ومن كل من يبكتهم بسبب طريقهم الخاطئ, ومن كل من يدعوهم الي تغيير نمط حياتهم.
ونحن نقول لكل هؤلاء: مهما هربتم من الله, فهو سيسعي اليكم ليجذبكم اليه, وقد صدق داود النبي حينما قال لله في المزمور: أين أهرب من روحك, ومن وجهك أين أختفي!.
كما نقول لهم ان هذا الهروب ليس من صالحكم, ويجب ان تواجهوا الواقع في شجاعة وصدق, وأول واقع تواجهه هو أبديتك, أي مصريك الأبدي, فإلي أي مصير سيقودك الواقع الذي تعيش فيه إذن عليك ان تواجه نفسك, وأنت لا تستطيع أن تخدر ضميرك الي الأبد, فلابد أن يصحو في يوم ما, وحينئذ ماذا تفعل
مشكلة كبيرة تواجه الناس, وهي كيف سيترك الشخص خطيئته مع انه يحبها كأن الذي يترك الخطية سيظل بنفس القلب الذي يشتهيه! كلا فإن الله حينما يرجع التائب اليه يمنحه قلبا جديدا يختلف عن القلب الذي كان يشتهي الخطيئة, كما انه يمنحه نعمة خاصة تقوده في الطريق الجديد, فلا تعط فرصة للشيطان الذي يحاول ان يظهر لك صعوبة الطريق الي الله ويقنعك بالهروب منه.
نقلا عن جريدة الأهرام | | |
|