the king عضو فعال
المساهمات : 282 تاريخ التسجيل : 19/09/2009
| موضوع: الرهبنة المصرية الإثنين سبتمبر 21, 2009 11:23 am | |
|
الرهبنة المصرية تمهيــــــد : من أروع مظاهر الحضارة القبطية: تاريخ الرهبنة المصرية ! وأديرتها وزعمائها وآباء الكنيسة المصرية وكل ما يتعلق بهذا التراث الهائل الخالد والذى يجب أن يأخذ حقه من العناية والبحث الدقيق . من هو الراهب المسيحى هو انسان يثقل قلبه بمحبة المسيح ..... فيغوص فى أعماقه الجوانية ، ويكتشف داخله عريسه وعرسه ويجد لقاءه مع محبوبه مستحيل وسط الناس وصخب المسئوليات المتلاحقة. فيختار البعد عن الكل ليرتبط بضابط الكل . لذا يختار السكنى فى الهدوء .. فى الجبال والصحارى والمغاير ، من هنا نجده فى الموضع الجديد ، يعطى أسم جديد ، وثياب جديدة ، فى بكر يوم جديد ، وبعد رقوده أمام باب هيكل الله يقوم آخذا بركة وأذن الجماعة التى يسكن بينها ... ليجد نفسه فى مواجهة باب الهيكل .... فمع أنه محب للاله إلا أنه يرتعد ويرهب الوقوف قدامه ... فيخرج بعد تناول القربان فى الصباح يحمل رهبة لله كل أيام حياته . لذا يسمونه راهب لأنه يرهب الله : فى نومه ويقظته ، فى مشيه ورقوده ، فى صمته وحديثه ، فى خموله ونشاطه ، فى أكله وصومه ، فى ضعفه وفى نصرته وما هى الرهبنـــة فى المسيحية هى ليست رتبة فوق الأيمان المسيحى ... إنما هى تطبيق للأيمان المسيحى ، وسلوك نحو الملكوت الأبدى ، وهى بذلك عشرة مع يسوع ، فتصبح ملامحها خاشعة لسمات العشرة الصادقة ليسوع . الراهب يعيش الأعتزال ، وينكر الأنعزال ، ويقدس الجمال فالرهبنة فى الراهب محب المسيح تضيف إلى روحه المجاهدة جمال وتعطى لجسده الممات جمال وتكسو مسكنه البسيط بالجمال ... كان للرهبنة المصرية دور بالغ الأهمية فى التأثير على المجتمع المصرى ، فى مجالات استراتيجية تهم الوطن المصرى ككل : + كان لزعماء الرهبنة وآباء الكنيسة دور كبير فى مناهضة الأستعمار وتحملوا أبشع صنوف العذاب والتنكيل بهم برباطة جأش ، كان للرهبنة دور كبير فى إيقاظ الروح القومية بين جموع الشعب ومناهضة الأستعمار البغيض ، كان لآباء الكنيسة نظرة ثاقبة حتى فى الأمور السياسية التى يغفل عنها القادة السياسيون ، ومازال هذا الدور قائما فى عهد قداسة الباب شنودة الثالث . + كان للرهبنة القبطية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية دورها الحاسم فى اقتلاع جذور الوثنية من مصر ! التى استمر تاريخها لقرون طويلة سبقت دخول المسيحية إلى أرض مصر . + كان للرهبنة القبطية دورها الأجتماعى والروحى فى اقتلاع الخرافات وأعمال السحر من عقول أبناء الوطن ، كانت الأديرة بمثابة المنائر المضيئة فى وسط جو عام يموج بالغموض والظلام ، كما قدمت الأديرة كل ما يحتاجه المواطن المصرى من علاج وطعام ، كانت الأديرة هى الملاذ الآمن لكل نفس تبحث عمن يهدىء من روعها ... + لا ننسى دور المكتبات ( بالأديرة) التى امتلأت بكتب وكتابات آباء الكنيسة ، فى شتى المجالات الدينية والروحية والفلسفية والعلمية ، .... والتى كان لها دور كبير كمرجع خاصة بعد احتراق مكتبة الأسكندرية فى القرن السادس الميلادى . + الثابت أن تلك الحقبة من التاريخ القومى متشعبة الأبواب ، متعددة الفروع والأدوار ، حافلة بكثير من عجائب الأخبار ونوادر المثل العليا وبدائع الكنوز العلمية والأدبية ، وتحتاج فى بحثها واستجلاء غموضها إلى جماعة وفيرة من الدارسين والباحثين والمؤرخين ، على أن يتضافروا جميعهم تحدوهم الغيرة والأخلاص والحماس ليظهروا تلك الحقبة فى الصور المشرفة الناصعة اللائقة بعظمتها ومجدها . وقد يكون من بواعث نجاح تلك الدراسة وأبحاثها أن يتفرغ كل فريق من الباحثين والكتاب إلى فرع خاص منها فمنهم من يتولى اتمام دراسة تاريخ زعماء الرهبنة باستفاضة ، وعلى سبيل المثال : كالأنبا بولا ، والقديس أنطونيوس ، والأنبا شنودة رئيس المتوحدين ، والقديس باخوميوس ، والقديس مكاريوس الكبير ، ..... الخ ، على أن تصدر هذه الأبحاث فى سلسلة.كتب ومراجع مترابطة يسهل على أبناء الكنيسة دراستها بسهولة ويسر . نشأة الرهبنة نشأت الرهبنة المسيحية فى مصر حيث بدأت فكرة العبادة النسكية فى البرارى والقفار منذ زمن سحيق فى تاريخها , ونحن لانعلم كثيراً عن الرهبنه فى مصر قبل أنتشار المسيحية فيها , ولكن لنبدأ بالمسيحية , أنه من المعروف أن الذى بشر مصر هو مرقس رسول المسيح , وكان مرقس شاباً ولم يتزوج حتى قطع الوثنيين راسه فى الأسكندرية وقال المؤرخ القس منسى (1) : " لما كان مرقس الرسول متحلياً بالطهر والعفاف وبث روح الفضيلة فى قلوب كثير من المصريين فإعتزلوا الخلق ولجأوا إلى الكهوف والمغائر عاكفين على تسبيح الخالق والتغنى بذكره الأقدس فتحولت القفار القاحلة إلى رياض يانعة تنبت النفوس وتثمر الكمال " وظهرت فى مصر مجموعة من النساك ويعتقد أنهم طبقوا الفكر الكتابى فى المعيشة مشتركه كما ذكر سفر أعمال الرسل (2) : " ِإذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجًا، لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُول أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ، 35 وَيَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ، فَكَانَ يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ احْتِيَاجٌ." وعنهم قال يوسابيوس القيصرى (3) : " وكان جمهور المؤمنين رجالاً ونساء , الذين اجتمعوا هناك فى البداية وعاشوا حياة الزهد الفلسفية المتطرفة , كثيرون جداً , حتى أن فيلوا وجده أمراً جديراً بالأهتمام أن يصف جهادهم وأجتماعاتهم وتسلياتهم وكل طرق معيشتهم " ولما كان مرقس من اصل يهودى فقد كان غالبية الفئة التى مارست النسك والعبادة وأفردت مجتمعاً قائماً بذاته منعزلاً كانوا من اليهود الذين أستوطنوا مصر وقد ذكر فيلو عباره تدل على ذلك فقال (4) : " ويبدو أنهم كانوا من أصل عبرانى , ولذلك كانوا يراعون معظم عوائد الأقدمين حسب طريقة اليهود " ومن المعتقد أيضاً أن هذه المجتمعات المغلقة التى أنضمت إلى المسيحية كانت تمارس أنظمتها اليهودية قبل المسيحية بدليل مجتمع وادى القمران فى الجبال الذى وجدت فيه مخطوطات العهد القديم وقال فيلوا (5) عن وجود كتب وقوانين تحدد نظم هذه المجتمعات النسكية فقال : " ولديهم أيضاً كتابات من القدماء مؤسسى جماعتهم الذين تركوا آثاراً كثيرة رمزية , وهؤلاء يتخذونهم قدوة لهم ويقلدون مبادئهم " وقال كاسيانوس وهو كاتب كنسى : " إن التقليد القديم يشهد بأن رهبان وادى النطرون متناسلون من المتأملين فى الإلهيات " أ . هـ ويقول المؤرخ القس منسى يوحنا (6) : " وقيل أن اول دير مسيحى تأسس كان فى سنة 151 م حيث عزم فرونتيوس على ترك العالم زهداً فى الدنيا وملاذها فجمع إليه جماعة من الأخوة وسار بهم إلى وادى النطرون وإلى منطقة الجيزة وهناك قضوا بقية حياتهم بالنسك والتعبد فى بعض الكهوف الصخرية " و ما أن بزغ فجر القرن الرابع الميلادى حتى لمع فى سماء البرية ذلك الكوكب الوضاء : " الأنبا أنطونيوس " الذى اعتزل العالم مؤثرا الوحدة والأنفراد عاكفا على تقديم العبادة خالصة لله ، مجاهدا ضد العالم والجسد والشيطان ، وبقدر تجاربه وآلامه خرج منتصرا وظافرا ! لقد رأينا حياة النصرة الحقيقية من خلال جهاده الروحى .. رأينا أساليب محاربة العدو وحيله .. لهذا نجد أن كل الكنائس شرقا وغربا تتخذ من القديس أنطونيوس أبا ومعلما ومرشدا .. يقول القديس أثناسيوس : " إننى أعد مجرد التذكر بأنطنيوس من جليل المنافع لنفسى ! . والوقوف على صفات أنطونيوس لمن اكمل السبل التى ترشد إلى الفضيلة " . كم كان تأثير حياة القديس أنطونيوس عظيما فى النفوس ! لقد وصل القليل منها لمسامع القديس أغسطينوس فكان كافيا لأنتشاله من سقطته وانتقاله من حياة الشر إلى حظيرة المسيح القدوس ! قال القديس ايرونيموس : " انه لما ذهب أثناسيوس الرسول إلى رومية أخذ معه موجز سيرة القديس أنطونيوس الذى كان قد ألفه ، وأن أناسا كثيرين بعد أن قرأوا الخبر هجروا العالم وترهبنوا صلى الشاب أنطونيوس إلى اللـــه أن يرشده ، وفى يوم الأحد ذهب إلى الكنيسة وهو واثق بأن الله سوف يرشده إلى الطريق الصحيح .... لقد كان الأنجيل فى ذلك اليوم عن الشاب الغنى الذى ذهب إلى رب المجد مستفسرا عما يوصله إلى الحياة الأبدية ، ... قال لـه السيد المسيح : " إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعنى " أدرك انطونيوس أن ذلك الشاب أصبح ضحية للمال الذى أستهوته محبته ... ، كما سمع أيضا – عن أوجه البر التى يجب أن تصرف الأموال فيها – وأهمها قول السيد المسيح لتلميذه القديس بطرس : " كل من ترك بيوتا أو أخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل اسمى يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية " ( مت 19 : 29 ) . إذ اعتبر انطونيوس من هذه الرسالة جوابا من الله لطلبته وكشفا منه تعالى عن الطريق المستقيم ، خرج من البيعة وقد وطد العزم على السير حسبما سمع حرفيا حتى لا يحرم من الكنز السماوى ! ما أعظمك يا أنطونيوس فى ثقتك بإلهك ! وما أحوجنا إليك الآن لتلقى على أغنيائنا عظة صامتة ، علهم يستطيعون تحديد موقفهم بإزاء المال حاسبين – مع الرسول – كل شىء نفاية ، ليربحوا المسيح !! . ( فى 3 : 8 ) . لا يجب أن نستصعب موقف هذا القديس ، لأن محبة الله ملأت قلبه .... لننظر إلى الأرملة الفقيرة ، التى انتظرت حتى ألقى الجميع عطاياهم ... ثم تقدمت هذه المسكينة ماديا – الغنية روحيا – وألقت " فلسين " فى الخزانة هوذا الرب يكشف الستار عما فعلته ويقول : " الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة ! لأن الجميع من فضلتهم ألقوا وأما هذه فمن أعوازها ألقت ما عندها ، كل معيشتها !! " . ( مر 12 : 43 ، 44 ) . وزكا العشار حصل على الخلاص هو وأهل بيته عندما أعطى نصف أمواله للمساكين ، ورد أربعة أضعاف للذين أوشى بهم .... وربما يكون قد استدان لسداد هذا التعهد ! أجل ... إن الذى لا يقو على العطاء فى وقت الفقر لايمكن أن يعطى فى حالة الغنى ، والذى لا يقدم للـــه اليوم من ثروته الصغيرة ، يزداد بخلا وجشعا ومحبة للمال غدا إذا نمت ثروته وأصبحت كبيرة !! . الحركة الرهبانية : سوف نتكلم بتفصيل أكثر عن هذه الحركة حيث أن الكثيرين ليس لديهم فكرة كبيرة عن جذور الرهبنة، بجانب إلى أنه يوجد إلى يومنا هذا بعض المفاهيم الخاطئة عن الرهبنة و خاصة فىالغرب . لقد نشأت الرهبنة المسيحية فى مصر ، و كما يقول المؤرخ الأستاذ عطية " كانت الرهبنة هى هبة مصر للمسيحية" . فقد ظهرت الرهبنة للوجود فى مصر بداية من النصف الثانى من القرن الثالث و فى خلال عقود قليلة الصفات المميزة التى شكلت الرهبنة القبطية هى : 1. الرغبة فى الصلاة بلا توقف و لا كلل 2.الاشتياق للتأمل فى كلمة الله 3. تدريب الذات على الصوم و السهر للصلاة و حياة البتولية و إخضاع رغبات الجسد و الفقر الاختيارى و نبذ اهتمامات العالم . و يعتبر معظم المؤرخين أن القديس أنطونيوس (251 - 356م ) هو أول من ترك العالم و توغل فى الصحراء الشرقية فى مصر. و الحقيقة إن الرهبنة كحركة دينية قد بدأها فعلا القديس أنطونيوس و لكن قبل ذلك بوقت طويل كان يحدث أن ينطلق بعض الأشخاص للحياة فى البرية . و يعطينا "أكتا سانكتورم" مثال على ذلك من القرن الثانى الميلادى حين قرر أحد أثرياء الإسكندرية المسيحيين و يدعى فرانتونيوس أن يترك العالم و استطاع اقناع سبعين آخرين على الذهاب معه إلى برية نيتريا حيث عاشوا حياة الصلاة و التأمل . إن الدافع الأساسى وراء الرهبنة القبطية يمكن أن يلخص فى كلمة واحدة و هى "المحبة" . فعندما يحب الإنسان الله من كل قلبه يشتاق أن يتوحد معه فى كل الأوقات . و لن يشغله أحد أو شىء غير الله (كورنثوس الأولى 7 : 32 - 35) ، و فى هذا الحب فهو يسعد أن يضحى بكل شىء لينعم بالتوحد مع الله حتى يصل إلى طهارة القلب التى تقوده إلى الكمال فى الله . و بالنسبة لآخرين قد يكون الدافع هو التألم مع المسيح و من أجله كما يعلمنا القديس بولس الرسول :" لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضا أن تتألموا لأجله" (فيلبى 1 : 29) . فيبدو الراهب بانزوائه فى البرية و كأنه يقول : " لأعرفه و قوة قيامته و شركة آلامه متشبها بموته" (فيلبى 3 : 10) . و بذلك نرى أنه قبل دخول الإمبراطورية الرومانية فى المسيحية كان المسيحيون يتعرضون للحرب و التعذيب القاسى و القتل الجماعى من أجل إيمانهم ، ثم بعد صدور مرسوم ميلان فى 313م أخذ المسيحيون على عاتقهم جهاد أنفسهم فكان الرهبان يعذبون أجسادهم تحت شمس الصحراء الحارقة و يمارسون تدريبات قاسية على الزهد و التقشف فكانوا كخلفاء للشهداء و كأن المرء يسمعهم يقولون : "كما هو مكتوب أننا من أجلك نمات كل النهار" (رومية 8 :36) و فى ذلك يقول القديس يوحنا ذهبى الفم " أن الشهيد يعذب لأيام حتى ينال إكليل الشهادة و لكن الراهب يتحمل كل أيام حياته قسوة و عذابات عهود التقشف و الزهد التى فرضها على نفسه. تطور الرهبنة القبطية :يمكننا تقسيم تطور الرهبنة القبطية على ثلاث مراحل : أ. الرهبنة الأنطونية: هذه هى المرحلة الأولى و التى يتجه فيها إنسان مسيحى تقى إلى حياة التوحد و الزهد و التقشف لإخضاع الجسد و السمو بالروح . و من المؤكد أن كثير من النساك قد عاشوا فى صحراء مصر قبل القديس أنطونيوس و من أشهرهم الأنبا بولا البار و الذى انطلق إلى البرية سنة 218م تقريبا و كان الله يطعمه بطريقة إعجازية عن طريق غراب كان يأتيه يوميا بنصف رغيف من الخبز و كانت نياحته بصورة طبيعية عندما كان عمره 113 عاما و كان قد قابل القديس أنطونيوس قبل نياحته بوقت قصير و قصته معروفة فى تاريخ الرهبنة. و مع ذلك فإن الرهبنة قد عرفت و حددت معالمها بدقة على يد القديس أنطونيوس و الذى أرخ لحياته القديس أثناسيوس بنفسه. فعندما كان لا يزال شابا فى التاسعة عشرة من العمر لمست قلبه كلمات الرب للشاب الغنى : " إن أردت أن تكون كاملا فاذهب و بع أملاكك و اعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء و تعال اتبعنى" (متى 19 :21) فباع كل ميراثه و أعطى جزء لاخته و الباقى للفقراء ثم ذهب إلى الصحراء الشرقية ليعيش حياة زهد فى توحد تام لبلوغ الكمال و ظل يتوغل إلى عمق البريةو يحيا فى تقشف صارم و صيامات طويلة . و يحدثنا القديس أثناسيوس أن صراع القديس أنطونيوس ضد الشياطين كان يكبر و يتعاظم. و طوال حياته فى الصحراء لم يعد القديس أنطونيوس إلى وادى النيل إلا مرتين ، الأولى فى عام 311م حين كان ظهوره بلحيته الطويلة و وجهه الذى يشع نورا فى وسط المسيحيين المعذبين إبان الاضطهاد على يد مكسيمينوس كافيا لتقوية إيمانهم و إزالة خوفهم . و المرة الثانية فى عام 338م لمحاربة بقايا و آثار بدعة آريوس. و ذاع صيت القديس أنطونيوس فتبعه الكثيرين يطلبون إرشاده الروحي و هكذا بدأت المرحلة الثانية من تطور الحياة الرهبانية. ب. تجمعات النساك أو الشبه-توحد: استمر تلاميذ القديس أنطونيوس فى خلوتهم الانفرادية فى المناطق المجاورة لمغارته. و مع ازدياد أعدادهم ظهرت الحاجة لعمل مناطق تجمعات للنساك فى هذه المناطق من البرية . و كانت هذه التجمعات تلتف حول أحد الآباء القديسين العظام لأسباب تتعلق بالأمان الجسدى و الروحى . و استمرت أعداد هذه التجمعات فى التزايد لتغطى مساحات واسعة فى الصحراء الشرقية و حتى البحر الأحمر و امتدت أيضا جنوبا و غربا. و لكن بقيت أكبرهم هى تلك التى أحاطت بمغارة القديس أنطونيوس و الذى كان قد وصل لدرجات عالية من القداسة. و مع هذا التطور حدث توازن ما بين حياة التوحد و حياة التجمع فكان كل ناسك يقضى أيام الأسبوع بمفرده فى مغارة أو صومعة ثم يجتمعون جميعا فى أيام السبت و الأحد فى الكنيسة للصلاة و لتقديم صلاة عشية و شركة القداس و التناول و سماع بعض الدروس الروحية. و هكذا أعطى هذا النوع من النسك الفرصة للصلوات الفردية و التأمل و التدرب على الزهد و التقشف إلى جانب الصلوات و العبادة الجماعية . ج. الباخومية …???…. أو حياة الشركة : لم تكن المرحلة الثالثة من تطور الحياة الرهبانية هى التطور الطبيعى من بعد المرحلة الثانية. فبينما كانت المرحلة الثانية تزدهر و أعداد تجمعات النساك تتزايد كان القديس باخوميوس (290 - 346م) يكتب فصلا جديدا من تاريخ الرهبنة . و قصة حياة القديس باخوميوس قصة مذهلة ، فقد ولد وثنيا و خدم فى شبابه فى جيش قسطينطين. و فى أثناء المعارك التى خاضها تأثر كثيرا مما رآه من المسيحيين من محبة و تفانى فى خدمة الجنود وغسل أرجلهم و تقديم الطعام لهم بالرغم من فظاظة و قسوة هؤلاء الجنود فى معاملة المسيحيين ، فكان صلاح و طيبة هؤلاء المسيحيين هو ما كسبه للمسيحية. ثم أصبح هو نفسه من المتوحدين و تتلمذ لشيخ ناسك اسمه بلامون الذى درب باخوميوس تدريبا قويا على أساليب قمع و إخضاع الجسد للوصول إلى طهارة القلب . و كان هذا المزيج من التدريب على الحياة العسكرية ثم على الحياة الروحية و التقشف و الزهد بالإضافة إلى إيمانه أن هدف الناسك هو الصلاة باستمرار ، كانت كلها عوامل قادته مجتمعة إلى بدأ المرحلة الأخيرة من تطور الرهبنة القبطية أو ما يسمى بحياة الشركة الباخومية. و عند نياحة القديس باخوميوس فى سنة 364م كانت الكثير من الأديرة قد تأسست و يعيش بها الكثير من الرهبان و انتشرت إلى مناطق أخرى من تمركز النساك و كانت كلها تتبع التقليد الباخومى. و يقدر المؤرخ هاردى عدد الرهبان فى البرية المصرية عند نهاية القرن الرابع ما بين مائة ألف و مائتى ألف راهب من بين تعداد السكان الذى لا يزيد عن سبعة و نصف مليون نسمة . و كانت القاعدة التى وضعها القديس باخوميوس هى بحق نقطة تحول فى تاريخ الرهبنة المسيحية. و كما يذكر الأستاذ عطية المؤرخ المعروف فى كتابه "تاريخ المسيحية الشرقية" : "إن الاتجاه العام فى النظام الباخومى يظهر امتزاج الشخصية العسكرية مع القداسة فى شخص واحد ، فقد حدد المشرع كل تفاصيل أنشطة الراهب بالنهار و بالليل من ملبس و مأكل و أسلوب و ساعات النوم و الترحال و ساعات العبادة و حدد أيضا قانون للعقوبات يطبق بصرامة على المقصرين. إلا أن باخوميوس لم يكن جبارا أو غير إنسانى فى فرض نظام لا يرحم على أتباعه. كان على الراهب أن يخضع جسده و يكبح جماح شهواته و لكن لم يكن مطلوبا أن يحطمه فى خلال سعيه للملكوت" . عرفت الرهبنة القبطية حول العالم من خلال قصة حياة القديس أنطونيوس التى سجلها القديس أثناسيوس . فجاء الكثير من الرجال الأتقياء من أماكن متفرقة فى العالم و توجهوا إلى هذه الأديرة ليجلسوا عند أقدام آباء عمالقة فى الإيمان و يتعلموا منهم طرق النسك و الرهبنة فكان منهم اليونانيين و الرومان و الكبادوك و الليبيين و النوبيين و الأثيوبيين و غيرهم آخرين. و خصص لكل جنسية مكان خاص فى الدير و رئيس رهبان من جنسيتهم لإرشادهم . و لم تقم أى فواصل على أساس الجنس أو العلم أو اللون أو اللغة بل أصبحت البرية المصرية على اتساعها مدرسة واحدة لتعليم الروحانيات و التصوف القبطي للعالم أجمع. و قد إجتذبت البرية المصرية بعض أعظم شخصيات ذلك العصر جاءوا لرؤية هؤلاء القديسين و لتتبع خطاهم ، و كان من بين هؤلاء القديس يوحنا ذهبى الفم أسقف القسطنطينية و القديسين جيروم و روفينوس الإيطاليينو القديس باسيلى العظيم و الأب الكبادوكى الذى أدخل الرهبنة إلى بيزنطة و كذلك القديس يوحنا القسيسى الذى حمل الرهبنة القبطية إلى فرنسا و غيرهم كثيرين. قيل إن الرهبنة للكنيسة هى مثل الأساس للبنيان كلما كان قويا و عميقا كلما ازداد البناء قوة و ارتفاعا. و التاريخ الكنسى يؤكد هذه الحقيقة عندما يحكى أنه فى الأيام التى كانت الرهبانية قوية فى مصر كانت الكنيسة كلها قوية . فالرهبان من خلال صلواتهم الدائمة و تكريسهم لأنفسهم و شفاعتهم يجعلون الأديرة مصادر قوة للكنيسة. فبالرغم من حقيقة المعاناة التى عاشتها الكنيسة القبطية عبر تاريخها الطويل على أيدى اليونانيين و الرومان و المسلمين ثم الإرساليات الغربية فإن نعمة الله و قوة الرهبانية القبطية قد أبقت الكنيسة صامدة كصرح للمسيحية الأرثوذكسية الرسولية الأصيلة . رهبنةالبنات: تاريخها وأمكنتها وقديساتها . الرهبنة عموماً وإن كانت ظهرت فى أواخر القرن الثالث، وازدهرت فى القرن الرابع والخامس، لكن لها جذور قديمة ، الرهبنة كحياة وحدة وسكنى الجبال وكحياة بتولية وكحياة صلاة وتأمل كل هذه المبادئ كانت موجودة قبل الأنبا أنطونيوس وكانت لها جذور أيضاً فى العهد القديم، كما وجد فى حياة إيليا النبى وتوحده على جبل الكرمل وكذلك مدرسة الأنبياء وظهورها خصوصاً فى أيام إليشع وما بعده حياة الصلاة فى الجبال كانت موجودة أيضاً وحياة البتولية كانت موجودة أيضاً. نجد هذا كذلك فى حياة يوحنا المعمدان وفى حياة حنة النبية التى عاشت 84 سنة فى حياة العبادة والتأمل والتوحد، إذاً مقومات الرهبنة كانت موجودة ، لكن كل هذه الأشياء لكى تجتمع معاً ولكى تأخذ شكلها المتكامل كانت فى أيام القديس الأنبا أنطونيوس وقبله فى حياة الأنبا بولا ورهبنة البنات كانت موجودة فى بيوت العذارى، ولذك القديس الأنبا أنطونيوس أرسل أخته إلى إحدى بيوت العذارى وهؤلاء العذارى كانت موجودة حياتهم وأنظمتهم منذ حياة الرسل ، ومكتوب عن ذلك فى رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس فى حياة العذارى ، وكن يتعبدن هناك ، بقى بعد هذا أين توجد هذه البيوت ، ماكنتش حياة العذارى فى الجبال أو فى البرية خوفاً عليهن من الاعتداء على عذراويتهن من الأشرار أو من البدو أو من البربر أو إلخ ، كانت بيوت العذارى قريبة من المدن ، فهل هناك بيوت أخرى قريبة من أديرة العامرة للرهبان وهنا نبحث أيضاً مثال الدير الذى أتته الراهبة التى سميت بالهبيلة أو التى تظاهرت بالجهل والهبل وكيف أن القديس الأنبا دانيال قمص شيهيت كان يفتقد هذا الدير ويزور الراهبات اللى فيه ويأخذ اعترافاتهم، دى كلها كانت موجودة برضة ، مفيش شك ما كانتش فى المدينة ، نوع أيضاً من رهبنة البنات الراهبات اللائى أتين فى زى الرجال وترهبن على أنهن رجال مش نساء ، وعاشوا فى أديرة الرجال وأمثلة هذا الراهبة مارينا التى اتهمت كرجل أنها أخطأت مع بنت وهى كانت بنت الخ، او راهبات كن يعشن فى الجبل تحت رعاية أب روحى على اعتبار أنهن رجال أيضاً مثل القديسة أناسيمون ، فاللى كان فى الوقت دى بيخللى الشئ ده مقبول إن بعض الخصيان كانوا يترهبون وطبعاً ما كنتش ليهم لا لحية ولا حاجة ، فكانوا بيفتكروا إن البنات دية رهبان خصى ، راهبات كانت لهن أديرة فى بيت لحم أورشليم مثل الراهبات اللائى ترهبن تحت إشراف القديس جيروم مثل القديسة يستخيوم وأمها القديسة باولى فى رسالة كتبها القديس جيروم إلى يستخيوم بدأها بقوله لها من عبارة المزمور 45 اسمعى يا ابنتى وانسى شعبك وبيت أبيك فإن الرب قد اشتهى حسنك لأنه هو ربك وله تسجدين، من الراهبات أيضاً المشهورات القديسة سارة والقديسة سفرنيكى ، الرهبنة فى أديرة الرجال أيضاً تحتاج إلى بحث طويل لأن كانت الأديرة منتشرة من الفيوم حتى جبل القلمون حتى النقلون وكان عشرة الأديرة ورهبنات أيضاً فى الصحراء الغربية ، ورهبنات كانت فى منطقة برنوك ومنطقة كليا ومناطق المتوحدين وأديرة أخرى انتشرت من أديرة الأنبا باخوميوس فى إسنا وامتدت جنوباً فى أقصى الصعيد ، الفيوم كان يوجد فيها عدد كبير من الأديرة فى أيام القديس الأنبا أنطونيوس الكبير كتب رسالته رقم 20 للقديس الأنبا ببنودة رئيس أديرة الفيوم كام دير من أديرة الفيوم هناك ، إحنا بدأ نعترف بالبعض، لكن هناك أديرة، اعترفنا بدير الملاك وفيه دير هناك اسمه دير الأمير تادرس فيه أديرة فى نواحى إيبارشية بنى سويف، زى دير سدمنت ، كل هذا يحتاج أن يبحث من الناحية التاريخية والأثرية ومن ناحية القديسين الذين عاشوا فى هذه المنطقة أو الراهبات اللائى عشن فى هذه المنطقة أديرة جبل النقلون وجبل القلمون إحنا المشهور عندنا دير الأنبا صموئيل لكن فيه أديرة تانية، يا ريت اللى يخشوا فى هذا الموضوع أن يقرأوا كتاب الأربعين خبراً لمعرفة أخبار المتوحدين وأخبار السواح الذين عاشوا فى تلك المناطق ولا توجد معلومات كثيرة عنهم، لكن كتبا الأربعين خبر اتكلم كلام كتير عنهم .الأديرة اللى كانت تحت إشراف القديس جيروم كانت فى الأراضى المقدسة ، فى فلسطين لكن ماكنتش فى مصر دى عن الأديرة النسائية فى مصر، فيه نوع آخر من الرهبنة .نوع العموديين مثل القديس سمعان العمودى ، كان الإنسان يترهبن على مرتفع فوق عمود ولا يتحرك من هناك وكانت حياة شظفة وصعبة ، بعض من هؤلاء العموديين نشرت عنهم مجموعة أورينتاليس وبعضهم من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، إحنا برضه يهمنا فى موضوع الرهبنة لما ندرسها أن ندرس ليس فقط الرهبنة القبطية إنما الرهبنة عند اخوتنا السريان أيضاً واخوتنا الأرمن فى العالم الأرثوذكسى الشرقى ، وأيضاً الرهبنة بوجه عام وكيف انتشرت مش بس الرهبنة القبطية وهتلاقوا سير قديسين حياتهم مملوؤة بالفضيلة والأعمال الطيبة، يعنى منين فيكم بيدرس سيرة القديس أوكيم والقديس إيلاريون وبلاد العراق وسوريا ويعتبروا من الآباء الكبار هناك مين فيكم بيدرس سيرة مار أفرام السريانى قديس من القديسين الكبار، برضه فيه حاجات لازم ندرسها ، ممكن إن احنا هنا نديكم فكرة عامة عن هذه الموضوعات وأيضاً تبحثوا عن مراجعها ================================================== ========= درجات الرهبانية الرهبنة طريق جهاد طويل ومنظم تحت إرشاد معلم وصل إلى الفضيلة يتدرج مع الراهب من خطوة إلى أخرى وتختلف مدة إكمال كل خطوه والإنتقال إلى الثانية طبقاً لعوامل عديده منها إستعداد الراهب وتحمسه , مدى طاعته , قدرته على تنفيذ تعليمات مرشده , ودرجه جده وإجتهاده 1- تلميذ الرهبنة وتعنى هذه الدرجه مؤمن 2- راهب 3- عابد 4- ناسك 5- متوحد وهو يعيش منفرداً بعيداً عن الناس , , وكلمة " أنا خوريتيس " تعنى إنساناً إنعزل وتخلف عن الحياة مع الناس . 6- سائح والسواح المجاهدين هم رهبان أحياء وصلوا إلى درجة السياحه تزداد محبتهم للصلاة حتى يصيروا كما قال الكتاب : " أما أنا فصلاة" , ومن فرط تعلقهم بالتأملات العالية وتعلقهم بالسمائيات وإنبهار عقولهم بالإلهيات تقل حاجتهم إلى الطعام والنوم فيقنعون بالقليل من عشب البرية والنباتات التى تنموا على الجبال والصحارى , فتتلاشى رغبات الجسد وتسموا أرواحهم وتستنير نفوسهم , وتسهل إنتقالهم من مكان إلى آخر بما يعرف بالإختطاف . وعندما تشتد رغبة السياح لصلاة القداس يختطفون من أماكنهم النائية ويجتمعون فى غير أوقات الصلاة العامة ويصلون فى كنيسة قديمة أو مهجورة حيث يتوافر لهم الهدوء والسكون وينصرفون قبل أن يراهم الناس ويرجع كل إلى مكانه البعيد فى قلب الصحراء وعلى رؤوس الجبال . راجع كتاب الأنيا غرغوريوس عن الدير المحرق - وقد سمعت العديد من افواه الكهنة أنهم فى بعض الأحيان يجدون أدوات المذبح فاطرة وهو التعبير الشائع حينما تستخدم أدوات المذبح فى الصلاة وهذا معناه أنها أستخدمت فى قداس سابق ولا يجب ان تستخدم فيستخدمون غيرها - وذكر لى أحد الأصدقاء أنه أثناء صلاة التسابيح فى إحدى كنائس مصر القديمة أن كثير من الأرائك القديمة الموجوده فى الكنيسة صدر عنها صوت دليل على وجود ناس فى الكنيسة فى الوقت الذى لا يوجد غيره وأثنين آخرين وقال لى أن شعر راسه وقف من الرهبه التى أحس بها وقد اسرع فى الإنتهاء من التسابيح وترك الكنيسه بسرعه - وقد تعجبت لأن صديقى كان عملاقا وكان لا يهاب أحداً لأنه كان مصارعاً . 7- الرؤيا وهى مرحله نادره لا يصلها إلا القلائل وهى مرحلة الشخوص فى الرب والإتحاد به
هل الرهبنة رغبة أم دعوة " قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «إِنْ كَانَ هَكَذَا أَمْرُ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!» فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ الْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هَذَا الْكَلاَمَ بَلِ الَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هَكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ». حِينَئِذٍ قُدِّمَ إِلَيْهِ أَوْلاَدٌ لِكَيْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيُصَلِّيَ فَانْتَهَرَهُمُ التَّلاَمِيذُ. أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هَؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ». (مت 19 :10 ) كلمة الدعوة تخص الخدمة والرعاية، لأن الرعاية إقامة للاهتمام بنفوس أخرى يملكها الله. والراعي هو الذي يدخل من باب الدعوة الإلهية فيرعى أولاد الله ويخدمهم، مثل هذا محتاج إلى دعوة، بل لا يمكن أن يقام دون أن تتحقق الدعوة. أما الرهبنة فعلى من يقام الراهب إلا على خلاص نفسه وهل في السعي نحو خلاص النفس وطلب الكمال يتطلب الإنسان دعوة إن الإنسان المسيحي مدعو بموت المسيح الكفاري إلى التجرد والموت عن العالم وإماتة الذات وترك الكل للالتصاق بالرب والتأمل في وصايه. كل مسيحي مدعو لذلك "ما أقوله لكم أقوله للجميع". فالدعوة للرهبنة هي اقتناع قلبي كامل بتفاهة العالم والزهد في كل قنيته ورغبة حقيقية للحياة المسيحية الصادقة. ومن يرغب في هذا ويشتاق إليه قد يمكنه الرهبنة بسرعة، قد لا يمكنة هذا إلا بالتدرج. فالأول قد تكون ظروفه في العمل أو العائلة تساعده أو تخدمه، والثاني قد يجد عوائق فيعيش مبادئ الرهبنة في قلبه وسلوكه ويصلي لأجل هذه العواق حتى تذلل فلا يبقى له سوى أن يلبس الشكل الرهباني في الدير.
لاشك أن الرهبنة رغبة واختيار للإنسان، وليس معنى ذلك أنها ليست دعوة. فإننا نرى كثيرين يرغبون وقليلين يدعون، كثيرين يشتاقون وقليلين يقدرون. لذا فتنمية الرغبة والاشتياق ينبغي أن تتحرر من الذات التي تعاند وتلح وتصر وتدق الرأس على الحائط بينما يكون للرب دعوة أخرى في حياتي. الإنسان الروحي الأمين لعريسه والمتطلع لأبديته ينمي كل شوق صالح فيه. فإن وجد الدعوة أمامه والباب مفتوح قدامه يكون مبارك له الرهبنة. مبارك له هذا العطاء الإلهي الذي نسمع له في الإنجيل "ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذي أعطي لهم.... من استطاع أن يقبل فليقبل" مت 19: 10 – 12 | | |
|